فصل: من يحرم عليهم الصدقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.6- والغارمون:

وهم الذين تحملوا الديون، وتعذر عليهم أداؤها، وهم أقسام: فمنهم من تحمل حمالة، أو ضمن دينا فلزمه، فأجحف بماله أو استدان لحاجته إلى الاستدانة، أو في معصية تاب منها، فهؤلاء جميعا يأخذون من الصدقة ما بقي بديونهم.
1- روى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وحسنه، عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل المسألة إلا لثلاث، لذي فقر مدقع أو لذى غرم مفظع، أو لذي دم موجع»
2- وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: «تصدقوا عليه»، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لغرمائه: «خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك»
3- وتقدم حديث قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فتأمر لك بها» الحديث.
قال العلماء: والحمالة، ما يتحمله الإنسان، ويلتزمه في ذمته بالاستدانة، ليدفعه في إصلاح ذات البين، وقد كانت العرب إذا وقعت بينهم فتنة، اقتضت غرامة في دية، أو غيرها: قام أحدهما فتبرع بالتزام ذلك والقيام به، حتى ترتفع تلك الفتنة الثائرة، ولا شك أن هذا من مكارم الاخلاق.
وكانوا إذا علموا أن أحدهم تحمل حمالة بادروا إلى معونته، وأعطوه ما تبرأ به ذمته، وإذا سأل في ذلك لم يعد نقصا في قدره، بل فخرا.
ولا يشترط في أخذ الزكاة فيها، أن يكون عاجزا عن الوفاء بها، بل له الاخذ، وإن كان في ماله الوفاء.

.7- وفي سبيل الله:

سبيل الله، الطريق الموصل إلى مرضاته من العلم، والعمل.
وجمهور العلماء، على أن المراد به هنا الغزو، وأن سهم {سبيل الله} يعطى للمتطوعين من الغزاة، الذين ليس لهم مرتب من الدولة.
فهؤلاء لهم سهم من الزكاة، يعطونه، سواء كانوا من الاغنياء أم الفقراء.
وقد تقدم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: الغازي في سبيل الله» الخ.

والحج ليس من سبيل الله التي تصرف فيها الزكاة، لأنه مفروض على المستطيع، دون غيره.
وفي تفسير المنار: يجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج، وتوفير الماء، والغذاء وأسباب الصحة للحجاج، إن لم يوجد لذلك مصرف آخر.
وفيه: {وفي سبيل الله} وهو يشتمل سائر المصالح الشرعية العامة، التي هي ملاك أمر الدين، والدولة: وأولها، وأولاها بالتقديم، الاستعداد للحرب، بشراء السلاح، وأغذية الجند، وأدوات النقل، وتجهيز الغزاة.
ولكن الذي يجهز به الغازي يعود بعد الحرب إلى بيت المال، إن كان مما يبقى، كالسلاح، والخيل، وغير ذلك، لأنه لا يملكه دائما، بصفة الغزو التي قامت به، بل يستعمله في سبيل الله، ويبقى بعد زوال تلك الصفة منه في سبيل الله، بخلاف الفقير، والعامل عليها، والغارم والمؤلف، وابن السبيل، فإنهم لا يردون ما أخذوا، بعد فقد الصفة التي أخذوا بها.
ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية، وكذا الخيرية العامة، وإشراع الطرق، وتعبيدها، ومد الخطوط الحديدية العسكرية، لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرعة، والمناطيد، والطيارات الحربية، والحصون، والخنادق.
ومن أهم ما ينفق في سبيل الله، في زماننا هذا، إعداد الدعاة إلى السلام، وإرسالهم إلى بلاد الكفار، من قبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي، كما يفعله الكفار في نشر دينهم.
ويدخل فيه النفقة على المدارس، للعلوم الشرعية، وغيرها مما تقوم به المصلحة العامة.
وفي هذه الحالة يعطى منها معلمو هذه المدارس، ما داموا يؤدون وظائفهم المشروعة، التي ينقطعون بها عن كسب آخر ولا يعطى عالم غني لاجل علمه، وإن كان يفيد الناس به. انتهى.

.8- وابن السبيل:

اتفق العلماء على أن المسافر المنقطع عن بلده يعطى من الصدقة، ما يستعين به على تحقيق مقصده، إذا لم يتيسر له شيء من ماله، نظرا لفقره العارض.
واشترطوا أن يكون سفره في طاعة، أو في غير معصية.
واختلفوا في السفر المباح.
والمختار عند الشافعية: أنه يأخذ من الصدقة، حتى لو كان السفر للتفرج، والتنزه..وابن السبيل عند الشافعية قسمان:
1- من ينشئ سفرا من بلد مقيم به، ولو كان وطنه.
2- غريب مسافر، يجتاز بالبلد.
وكلاهما له الحق في الاخذ من الزكاة، ولو وجد من يقرضه كفايته، وله ببلده، ما يقتضي به دينه.
وعند مالك، وأحمد: ابن السبيل المستحق للزكاة، يختص بالمجتاز دون المنشئ ولا يعطى من الزكاة من إذا وجد مقرضا يقرضه وكان له من المال ببلده، ما يفي بقرضه.
فإن لم يجد مقرضا، أو لم يكن له مال يقضى منه قرضه، أعطي من الزكاة.
توزيع الزكاة على المستحقين، كلهم، أو بعضهم:
الاصناف الثمانية، المستحقون للزكاة، المذكورون في الآية هم: الفقراء والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والارقاء، والغارمون وأبناء السبيل، والمجاهدون.
وقد اختلف الفقهاء في توزيع الصدقة عليهم: فقال الشافعي واصحابه: إن كان مفرق الزكاة هو المالك أو وكيله، سقط نصيب العامل، ووجب صرفها إلى الاصناف السبعة الباقين، إن وجدوا وإلا فللموجود منهم، ولا يجوز ترك صنف منهم، مع وجوده، فإن تركه ضمن نصيبه.
وقال إبراهيم النخعي: إن كان المال كثيرا، يحتمل الاجزاء قسمه على الاصناف.
وإن كان قليلا جاز أن يوضع في صنف واحد.
وقال أحمد بن حنبل: تفريقها أولى، ويجزئه أن يضعه في صنف واحد.
وقال مالك: يجتهد ويتحرى موضع الحاجة منهم، ويقدم الأولى فالأولى، من أهل الخلة والفاعة، فإن رأى الخلة في الفقراء في عام، أكثر قدمهم، وإن رآهم في أبناء السبيل في عام آخر، حولها إليهم.
وقالت الأحناف.
وسفيان الثوري: هو مخير يضعها في أي الاصناف شاء.
وهذا مروي عن حذيفة، وابن عباس، وقول الحسن البصري، وعطاء ابن أبي رباح.
وقال أبو حنيفة: وله صرفها إلى شخص واحد، من أحد الاصناف.
سبب اختلافهم ومنشؤه: قال ابن رشد: وسبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى، فإن اللفظ يقتضي القسمة بين جميعهم، والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة، إذ كان المقصود بها سد الخلة، فكان تعديدهم في الآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس - أعني أهل الصدقات - لا تشريكهم في الصدقة.
فالأول أظهر من جهة اللفظ، وهذا أظهر من جهة المعنى، ومن الحجة للشافعي، ما رواه أبو داود عن الصدائي: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يرض أن يحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك حقك».

ترجيح رأي الجمهور على رأي الشافعي: قال في الروضة الندية: وأما صرف الزكاة كلها في صنف واحد، فهذا المقام خليق بتحقيق الكلام.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى جعل الصدقة مختصة بالاصناف الثمانية، غير سائغة لغيرهم.
واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية، ولا أن يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم.
بل المعنى أن جنس الصدقات، لجنس هذه الاصناف.
فمن وجب عليه شيء من جنس الصدقة، ووضعه في جنس الاصناف، فقد فعل ما أمره الله به، وسقط عنه ما أوجبه الله عليه، ولو قيل: إنه يجب على المالك - إذا حصل له شيء تجب فيه الزكاة - تقسيطه على جميع الاصناف الثمانية، على فرض وجودهم جميعا، لكان ذلك - مع ما فيه من الحرج والمشقة - مخالفا لما فعله المسلمون، سلفهم، وخلفهم.
وقد يكون الحاصل شيئا حقيرا، لو قسط على جميع الاصناف لما انتفع كل صنف بما حصل له ولو كان نوعا واحدا، فضلا عن أن يكون عددا.
إذا تقرر لك هذا، لاح لك عدم صلاحية ما وقع منه، صلى الله عليه وسلم من الدفع إلى سلمة بن صخر من الصدقات للاستدلال بها.
ولم يرد ما يقتضي إيجاب توزيع كل صدقة على جميع الاصناف.
وكذلك لا يصلح للاحتجاج حديث أمره صلى عليه وسلم لمعاذ: أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن ويردها في فقرائهم، لأن تلك أيضا صدقة جماعة من المسلمين وقد صرفت في جنس الاصناف وكذلك حديث زياد بن الحارث الصدائي وذكر الحديث المتقدم، ثم قال: لأن في إسناده عبد الرحمن بن زياد الافريقي، وقد تكلم فيه غير واحد، وعلى فرض صلاحيته للاحتجاج، فالمراد بتجزئة مصارفها، كما هو ظاهر الآية التي قصدها صلى الله عليه وسلم: ولو كان المراد تجزئة الصدقة نفسها، وأن كل جزء لا يجوز صرفه في غير الصنف المقابل له، لما جاز صرف نصيب ما هو مغدوم من الاصناف إلى غيره، وهو خلاف الاجماع من المسلمين.
وأيضا لو سلم ذلك، لكان باعتبار مجموع الصدقات التي تجتمع عند الإمام، لا باعتبار صدقة كل فرد، فلم يبق ما يدل على وجوب التقسيط بل يجوز إعطاء بعض المستحقين بعض الصدقات، وإعطاء بعضهم بعضا آخر.
نعم إذا جمع الإمام جميع صدقات أهل قطر من الاقطار، وحضر عنده جميع الاصناف الثمانية، كان لكل صنف حق في مطالبته بما فرضه الله، وليس عليه تقسيط ذلك بينهم بالسوية ولا تعميمهم بالعطاء، بل له أن يعطي بعض الاصناف أكثر من البعض الاخر، وله أن يعطي بعضهم دون بعض، إذا رأى في ذلك صلاحا عائدا على الإسلام وأهله.
مثلا إذا جمعت لديه الصدقات، وحضر الجهاد، وحقت المدافعة عن حوزة الإسلام من الكفار، أو البغاة، فإن له إيثار صنف المجاهدين بالصرف إليهم، وإن استغرق جميع الحاصل من الصدقات، وهكذا إذا اقتضت المصلحة إيثار غير المجاهدين.

.من يحرم عليهم الصدقة:

ذكرنا فيما سبق مصارف الزكاة، وأصناف المستحقين، وبي أن نذكر أصنافا لا تحل لهم الزكاة، ولا يستحقونها وهم:

.1- الكفرة والملاحدة:

وهذا مما اتفقت عليه كلمة الفقهاء.
ففي الحديث: «تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم».
والمقصود بهم أغنياء المسلمين وفقراؤهم دون غيرهم.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا.
ويستثنى من ذلك المؤلفة قلوبهم كما تقدم بيانه.
ويجوز أن يعطوا من صدقة التطوع، ففي القرآن: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}.
وفي الحديث: «صلي أمك» وكانت مشركة.

.2- بنو هاشم:

والمراد بهم آل علي وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، وآل الحارث.
قال ابن قدامة: لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس» رواه مسلم.
وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كخ كخ، لطرحها، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة» متفق عليه.
واختلف العلماء في بني المطلب، فذهب الشافعي: إلى أنه ليس لهم الاخذ من الزكاة، مثل بني هاشم.
لما رواه الشافعي، وأحمد، والبخاري، عن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر، وضع النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل، وبني عبد شمس، فأتيت أنا، وعثمان ابن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم، لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وقرابتنا واحدة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا وبني المطب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه».
قال ابن حزم: فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم، في شيء أصلا، لأنهم شيء واحد بنص كلامه، عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد، فالصدقة عليهم حرام.
وعن أبي حنيفة، أن لبني المطلب أن يأخذوا من الزكاة، والرأيان روايتان عن أحمد.
وكما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على بني هاشم، حرمها كذلك على مواليهم.
فعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال: أصحبني كيما تصيب منها، قال: لا، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسأله، وانطلق فسأله فقال: «إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح.
واختلف العلماء في صدقة التطوع، هل تحل لهم أم تحرم عليهم؟.
قال الشوكاني: ملخصا الأقوال في ذلك - واعلم أن ظاهر قوله: «لا تحل لنا الصدقة» عدم حل صدقة الفرض والتطوع، وقد نقل جماعة، منهم الخطابي، الاجماع على تحريمهما عليه، صلى الله عليه وسلم.
وتعقب بأنه قد حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا.
وكذا في رواية عن أحمد.
وقال ابن قدامة: ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة.
وأما آل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال أكثر الحنفية وهو الصحيح عن الشافعية، والحنابلة، وكثير من الزيدية - إنها تجوز لهم صدقة التطوع دون الفرض، قالوا: لأن المحرم عليهم إنما هو أوساخ الناس، وذلك هو الزكاة لا صدقة التطوع.
وقال في البحر: إنه خصص صدقة التطوع القيلس على الهبة، والهدية والوقف.
وقال أبو يوسف، وأبو العباس، إنها تحرم عليهم كصدقة الفرض، لأن الدليل لم يفصل.